روايات وقصص، استمتع بأفضل روايات الرومانسية وروايات الرعب وروايات التاريخ في موقع واحد.

روايات وقصص، استمتع بأفضل روايات الرومانسية والرعب والتاريخ والخيال العلمي والبوليسية في موقع واحد،

عشرات القصص المثيرة والحكايات في انتظارك.

2024/11/26

سلكت سبيل الحب

   الفصل الثالث عشر: سلكت سبيل الحب ! 

في ألمانيا الشرقية..

أقام المخرج مظهر حيناً من الزمن في ألمانيا الشرقية (القطاع الذي احتلته القوات السوفيتية في نهاية الحرب العالمية الثانية وتحدد وفقاً لمؤتمر بوتسدام)، وكان الرجل كثير الأسف لإرغامه المعنوي على ترك بلاده الأم بسبب "قضية الاعتداء على الممثلة في استوديوا التصوير" التي هبطت بسمعته وقضت على القليل المتبقي من مسيرته الفنية، ومن عجب أن الرجل في خضم هذا الأسف الغزير لم يعرف الندم قط، ولم تنزع به نازعة الاعتراف بما قد اقترفه من وزر، وقد كرر الرجل أكذوبته في ادعاء البراءة حتى صدقها، وظل يلوك حديثه هذا حتى مع ظهور ممثلات أخريات - بعد نور - اتهمنه بعين التهمة على نحو جسم سحابة الاشتباه التي فوق رأسه، وكتب إلى المصور رسالة يقول فيها :

-" عزيزي المصور، تحيبة طيبة وبعد..

أكتب إليك من بلاد انتهت إليها خطاي فصارت بمثابة الوطن، لن أناديك اليوم بعبد الحليم نصر فعندي من الأسف ما يمنعني من التندر، وقد ساءت صحتي في أعقاب ما تعلق بسمعتي من أتربة الإفك والافتراء، وقبل ذاك ما نزل ببلادي في أعقاب التحول المذموم - بعيد حرب أكتوبر - حتى لم يعد من رابح فيها إلا برجوازي أو مستغل، وقد حاولت وسعي أن أتملص من الحنين إلى زمن عبد الناصر مع المرارة التي أكنها تجاهه في مفارقة عصية على الاستيعاب، وإنني أذهب بالخيال إلى الخريطة العالمية وقتذاك حيث كان المعسكر الاشتراكي شرقاً، والرأسمالي غرباً، فيما تقبع حركات التحرر الوطني في الوسط، واليوم نحن في تيه كامل، أجل، لقد تُهنا !..  وأعلم أنه مما يسعدك أن تسمع عني أخبار السوء وقد كنا على طرفي النقيض في الرأي، وأعلم أن شهادتك قد أضرت بي وقد أدنتني دون افتراض حسن النية، ودون مراعاة لما بيننا من عشرة العمل أو صداقة الفن أو إعذار العمر، ومتناسياً حقيقة أنني كنتُ في غيابة السكر التي لازمت احتفائي بنهاية الفيلم حين نُسب إليَّ ما نسب، وأنني سلكت سبيل التعارف والحب مستلهماً شيئاً من باريس الذي غزا قلب هيلين الجميلة على بعد وجهه من منازل الجمال، قبل أن تواجهني السيدة بالصدود الذي أبعدني عن الرشد، وحبب إليَّ المحرم بعد المشروع،.. ولكنني موقن بأن لا ضرورة أن "أبصق في بئرك" اليوم فلعلي شارب من ماء الخلاف معك ما يعينني على الحياة، وإنني محب للأَنْدَاد وقد اتخذتك نداً لي على هوان أمرك، وكما يقول أبو الفيض الكتاني :

فقل للشامتين بنا أفيقوا.. سيلقى الشامتون كما لقينا

وقد زاد من أسفي أني نزلت في البلاد التي طبقت المنهج الاشتراكي فلم أسعد فيها، ولم أرِ المجتمع الذي بشر به لينين وصحبته، وفي ضوء الرأسمالية العالمية الغازية فلا أحسب أن للاشتراكية مستقبلاَ واضحاً، أو موطأ قدم، إنني أتلمح العواطف المتأججة في وجوه الألمان حولي بما ينذر بثورة عارمة، تقضي على الأخضر واليابس، إن حديث الثورة مما يحفزني دائماً ولكن الثورة على الاشتراكية ستقود حتماً إلى مآل نفعي، وقد نزلت في بيت صديقي الألماني أرثر، وقلت له وأنا أتلمح الضوء الشحيح للشمس الهابطة على حديقته :

- "سأظل مؤمناً بالجنة الاشتراكية التي لم أعد أرى لها وجود.".

وأجابني يقول :

- "إن عملك كمخرج يجعلك ترى أن مصائر الشخصيات مقترنة بما يبدونه من مرونة تتوافق والمتغيرات.".

وأجبته أقول :

- "سأرضى بمصير أسوأ الشخصيات في فيلم الحياة إذاً ما دام هذا لن يكون على حساب قناعاتي ومبادئي..".

- "لن يكون هذا فيلماً جيداً إذاً..".

وسألني وقد حدس بمعاناتي النفسانية في البلد البارد :

- "لماذا سافرت من بلادك؟".

- "لقد لفقوا لي تهمة، وأردوا تدمير سجلي الفني ومحو تاريخي..".

أجل، إنني لم اعتدِ على امرأة قط وإنما خطبت الود، وطلبت قبلة يتيمة، قبلة لوجه عجوز، ولأجل ذاك فأنا بريء، وسأظل أردد براءتي، ويجب أن تقنع بها، ثم أن يقنع بها غيرك من النزاعين إلى الخوض والثرثرة!

 

 ومن أعجب العجب أنني بت أرى فصول والية لحياتي بالإسكندرية مجسدة ممثلة وأنا الذي لم أعنى يوماً بالماضي، ولم أهتم قط بدراسته، وقد خلت وهماً أن إقامتي بعيداً ستمرق بي من أحوال ما قد فات كما يمرق السهم من الرمية، وحين سمعت في الإذاعة العربية أم كلثوم تنشد من رباعيات الخيام قولها :

- سمعت صوتاً في السحر.. نادى من الغيب غفاة البشر

هبوا املأوا كأس المنى.. قبل أن تملأ كأس العمر كف القدر

بكيت بصدق وأنا أتذكر الحلم الاشتراكي الذي آل خريفاً أو كاد، وتمنيت الانتحار دون أن أعهد نهايته المرة،.. لم يعجب صديقي آثر - المهتم بالفن الشرقي - بصوت أم كلثوم وقد ذكر شيئاً عن تفوق مرضية - المغنية الإيرانية التقليدية الفارسية - على ما وصفه بالصوت الرجولي الخشن لـ"كوكب الشرق"، ولكنه أعجب بمَضَامِين الرباعيات حين بينت له معانيها فلمعت عيناه بماء الحزن مثلما لمعت عيناي به في الليلة الشاجية !".

 

  اضغط على رابط الصفحة الرئيسة لمزيد من الموضوعات : روايات


في أبي تيج..

كان بكر قد أمسك بيد نصر الله على مرأى الريفيين المتجمهرين يريد أن يردعه عن ضربته الأخيرة في الجذع المتهالك لشجرة النبق، واستهان نصر الله بصورة الشاب التي كانت لا شيء قياساً إلى جسده القوي، فقذف به في دفعة قوية وسبه ثم سب أباه نوحاً، وعاد الرجل المُستكبِر إلى فأسه ورفعه حتى سد به قرص الشمس ولكنه حين أخذ ينزل به إلى الجذع ألفى الأيادي الجمة تمنعه، وقد اشترك في صده - من منظور معنوي - الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، ورفعه الشباب فمضوا به في مسيرة مهينة حتى ألقوا به في الترعة التي غمرت جسده الملآن، هناك أحس رضوان بعمق الإهانة التي نزلت بنجله الأقوى، وحدس بالخطر الجسيم المحدق، فأحال الدوار إلى ترسانة أسلحة، ونشر الخفراء كالجراد، وتأهب بكل ما لديه ليوم عصيب،.. وعلى هذا النحو عسكر بكر وجماعته قرب الدوار الكبير الذي أوصدت أبوابه، وعلى كثب من أشلاء شجرة النبق المبتورة، كان بكاء الطفلة حورية قد عاد يجلجل في فضاء البيت الكبير، سمعه بكر في موقعه فتألم له، وأدمعت عيناه، فيما كان عبد المجيد على حال من الاستبشار يقول :

- لن ينام الظالم مطمئناً في دواره ! ما أسعدني باضطرابه !

 وفي ظلمة السحر انفتح الباب الكبير فلاح منه الحارس وفي يده سلة وُضعت فيها الطفلة الباكية، تقدم الرجل بضع خطوات على مرأى الجميع ووضع حورية فوق العشب ومضى، وجيء بالطفلة إلى بكر فلثمها حتى هدأت، قال له عبد المجيد :

- لقد تخلص رضوان من رهينته الصغيرة !

وأجابه بكر في يأس :

- لا يزال لديه من الرهائن ما يكفيه.

- لابد من تخطيط ماكر وتدبير داهية ثم تَصرُّف دِهقان، (ونظر حوله يقول..) لدينا الغلبة في العدد ولديه ثلاث رهائن : تسنيم وصفوت وفردوس، إن له (رضوان) الفضل في الخفراء أيضاً وأصحاب السلاح، ولا أريد أن يقف المعول والفأس في وجه البندقية.

وقال بكر وهو يتطلع إلى عيني حورية المغلقتين في براءة، وكانت الصغيرة في نعاس النوم في سلة موسى المصنوعة من الأغصان الخيزرانية بعد أن أقلقت منام الجميع :

- بل يجب أن يقف المعول والفأس في وجه البندقية.

- ويحك.. هل ستضحي بالقرويين؟

ونظر بكر حوله فرأى جماعته من الريفيين النائمين في ظلمة الليل المنتشرين - إلى ذاك - في المحيط الأخصر المستور قرب شجرة النبق التي اتخذوا خشبها موقداً للنار ومورداً للتدفئة والإضاءة كأنه الحطب، ثم نظر إلى الدوار العظيم وما يربض عليه من أشباح الخفراء يروحون ويجيئون، وقال :

- أحسب أن لا خيار آخر أمامي !

وأمسك عبد المجيد بطرفي معطفه المفتوح لدى عنقه، يقول :

- أنغير ظالماً ونبقي ظلماً لا ينجلي؟

ودفعه بكر عنه يقول :

- وكأنك تريد الحق بلا ثمن؟

- فلننتظر ريثما يأتينا مداد السلاح، المَعَاوِل للحفر، والأفْؤُس للفلاحة، والبَنَادِق في ميدان القتال أبرع وسيلة.

- بربك،.. منِ مَن نحصل على السلاح؟ وكيف؟ وهل نملك وقتاً كافياً لتمرين هؤلاء على استخدامه؟ لعل رضوان يجهز على واحد من رهائنه إن لم نتحرك سريعاً، لقد أوعز إلى حارسه بأن يلقي بالطفلة أمام دواره في ظلمة الليل لأنها أزعجت ببكائها منامه، كيف عساه أن يفعل مع البقية؟ (وسأله كمن يسفهه) ترى أيبدأ بنجلي صفوت أم زوجي فردوس أم أمي تسنيم؟

وخلع عبد المجيد عباءته الصوفية كأنما يتأهب لشجار، قال :

- القائد الحق لا يؤثر فرداً من أرحامه على أقل فرد في حزبه.

وأجابه بكر وقد خلع معطفه الكشمير هو الآخر (وكان من جملة الأشياء التي احتفظ بها من الإسكندرية) :

- لست قائداً، تخلصت من مسؤولية القيادة منذ ألبستك عباءة الصوف التي خلعتها عن كاهل نفسي.

واشتبك عبد المجيد معه يقول :

- سألقنك درساً أيا عاشق المدينة المغامر..

ومكثا على حال من الشجار العنيف - تتخلله المجادلة - حتى أيقظا بعض النيام من الريفيين المعسكرين، ويقظت بدور فهالها أن يتقاتل زوجها مع أخيها وحاولت عبثاً الفض بين الاثنين، وتلمح بكر في خضم تفاديه لإحدى ضربات عبد المجيد نفراً من الأطفال يحيطون بحورية في سلتها الخيزرانية، وزلف إليهم وقد تملص من شيطان الغضب طالباً الهدنة من صاحبه فألفاهم يلطخون جبهتها الصغيرة بالمادة الحمراء لشجرة النبق، وسألهم في خيفة ووجل :

- ماذا أنتم فاعلون؟

وأجابه واحدهم وفي يده أثر الاحمرار :

- علمنا أنها كانت تبكي كثيراً، والآن نأمل ألا تبكي بعد اليوم !

فتحت حورية عيناها دون نحيب لأول مرة منذ وعيها بالحياة، كان الفجر قد نشر حواشيه البيضاء في الأفق الشاحب، وحل لون من الصمت التام العميق حتى كان الحديث فيه مما يجافي الحكمة، ويزري بمَغَازي المعاني، لحق عبد المجيد بصاحبه وقد عاد يلبس عباءته فنظر إلى حورية - بشعرها الخفيف وجبهتها ذات اللطخات الحمراء - في عجب، هناك قال ثانيهم وكان صبياً بالغاً - الصبي الوحيد وسط الأطفال - وقد جعل ينطلق :

- اتبعاني..

ومضى الرجلان - بكر وعبد المجيد - في إثر حركة الصبي الذي كان يذرع النطاق المعشوشب في خطوات عجلى لا تتوافق وعمره، وقد خشيا أن يفقدا أثره الراكض في النطاق المظلم ذي الأجساد النائمة والشجون الخضراء، واسترشدا بظله الذي لاح في ضوء الفجر المتسلل وبهدَى الأخشاب الموقدة، وانتهى الصبي إلى ظل الشجرة المخروطية ذات الأوراق الإبرية فلحق به الرجلان بعد قصير زمن، ووقفا في إنهاك الاقتفاء يعاتبان الصبي لعجلته غير المبررة، والأخير أشار إلى آدمي مربوط إلى جذع الشجرة الكبير، إنه ضخم الجثة هائل الجبلة مكتف الأيدي وقد أخفي وجهه بقطع من خرق، وكشف الصبي عن وجهه يقول :

- إنه نصر الله نجل رضوان، اقتدتناه من الترعة التي أُلقي فيها حتى كتفناه ها هنا، كان غائب الوعي، مبللاً، وقد دلني على موقعه الأطفال اللاهون هناك، ثم هم حملوه معي !

وأحس بكر يد عبد المجيد تربت على كتفه، وقال (عبد المجيد) كمن وفق في أمر فانطلق شعوره في لحظة ظافرة :

- لدينا رهينة والفضل لأطفال أبي تيج ولصبيها الرائع !

ومع أول ضوء للنهار كان بكر يهتف في ميكروفونه بعرضه في مقايضة تسنيم وفردوس وصفوت بنصر الله، وخرج رأس رضوان من هاته النافذة يقول في حسم وفي يده قصع فخاري ذو أرز ولبن :

- لن أقايض الرهائن الثلاثة برهينة واحدة، ولو كانت الواحدة نجلاً لي.

وانفعل نصر الله في وجه أبيه بغير حراك وفي ثورة من يدافع عن حياته وقد ألجمته الأحبال يقول :

- ولكن يا أبي..

ووهب رضوان نجله المكتف نظرة ثم تولى عنه، وجعل يقول لنفسه كأنما يحدثه في خاطره في جفاء وحياد شعوري لا يخلو من رغبة في تنزيه الضمير :

- لو كنت جديراً بالبقاء حقاً ما أمسك بكِ الأطفال على ضخامتك.. 

 اقرأ أيضاً : 

الفصل الأول:   رأيت الطمع في عينيه

الفصل الثاني:  عسى أن يكون صدري منشرحاً

الفصل الثالث : صورة المُخلِّص

الفصل الرابع : إلى أين المسير؟

الفصل الخامس : الخواطر المستغرقة

الفصل السادس: نظرة أخيرة

 الفصل السابع: أسطورة شجرة النبق 

 الفصل الثامن: عودة فتاة فيلا لوران

الفصل التاسع: ألكسندرا في غابة بولونيا

الفصل العاشر: مصرع زهران بسبب مراهنات الكرة !

الفصل الحادي عشر: بكر يتحدى سلطة رجال القرية

الفصل الثاني عشر: حوار في مطعم جيوفاني

الفصل الرابع عشر: حفل عرس في حمام شهريار

الفصل الخامس عشر: خطبة مارتن في سكة حديد بالتيمور

الفصل السادس عشر: لقد صفحتُ عنكِ

الفصل السابع عشر: إفناء العمر في الشقاء

الفصل الثامن عشر: كأنك تحكمين عليَّ بالهلاك

الفصل التاسع عشر : انطفاء شمعة لا يعود لهبها

الفصل العشرون : نفسيتي تتحسن حين أروي قصة




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق