روايات وقصص، استمتع بأفضل روايات الرومانسية وروايات الرعب وروايات التاريخ في موقع واحد.

روايات وقصص، استمتع بأفضل روايات الرومانسية والرعب والتاريخ والخيال العلمي والبوليسية في موقع واحد،

عشرات القصص المثيرة والحكايات في انتظارك.

2024/11/24

عودة فتاة فيلا لوران

              الفصل الثامن: عودة فتاة فيلا لوران



في الولايات المتحدة الأمريكية..

نزل منير - بعد فروغه من الإدلاء بشهادته في قضية مسجد رياض الجنة - في ماريلاند بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد تخيرها الشاب الأسمر لاحتوائها على الأغلبية الأفريقية الأكثر ثراءً بالبلد الذي عرف التمييز العنصري قبل عهد من اليوم قريب، كانت بشرته النوبية السمراء تضعه في الخانة الأفريقية، ولكنه لم يكن يُلقي بالاً للأمر قط، إذ هو ليس من الصنف الذي يعبأ ملياً بآراء الآخرين، حتى لقد قال لصديقه الجديد مارتن (يلح منير على مناداته بمارتن لوثر كينج لخطاباته الهيسترية بالملاهي الليلة عن مسألة الحق في المساواة، ولنشاطه الحقوقي المتعلق بدعم الأقليات العرقية) ذات مساء :

- "أمامك خياران : إما أن تكترث لآراء الآخرين، وإما أن تعيش في هذه الحياة ! إنني لست على حال من التجاهل التام لهم، بل إنني أرى في نصائحهم مقوماً أخلاقياً لا بأس به، ولو أنني رزقت ببشرة خضراء أو قدرت لي القرمزية لما كان ذلك ليغير إنشاً من طريقة تعاملي معهم..".

وسأله صديقه الذي طفق يلف سيجارة من التبغ في محيط يفتقر إلى التنظيم :

- "هل كانت عنصرية اللون مشكلة بالإسكندرية؟".

- "كلا، فارق بين العنصرية والتمييز، عانينا تمييزاً ناتجاً عن التوقعات المنخفضة في زمن قبل اليوم، حين كان النوبي كثير الظهور في دور الخادم ذي اللكنة المضحكة في أفلام سينما الأبيض والأسود..".

وتحفز مارتن ملياً لما سمع، قال فيما يشبه الثمول :

- "متى يدرك العالم حق جميع الأعراق في أن يُعاملوا بآدمية؟".

وكان منير قد نهض عن الرجل يقول في هزل عطفاً على قول صاحبه :

- "! I still have a dream ! (وجلس على منضدة البيت فجعل يقول) هذه منضدة الإخاء التي بشر بها مارتن لوثر كينج، ها هنا سيجتمع أبناء العبيد السابقين مع أبناء السادة السابقين قرب تلال جورجيا الحمراء !".

وقال مارتن وهو يقذف بوسادة لدى ساقه في فورة محمومة بالعواطف وكان قد أخذ الحديث العابث على محمل الجدية :

- "لشد ما حفزني حديثك بحق، فلنقصد إلى الملهي الليلي، لدي الكثير لأقوله للسكارى هناك عسى أن أوقظ وعيهم..".

- "بحق السماء، لماذا تحدث رواد الحانات عن الحقوق المدنية؟".

- "البشر لا يكونون صادقين إلا وهم ثمول، ولا يكونون جادين في  اقتفاء الغرض الرئيس من وجودهم : تمرير المادة الوراثية إلا وهم هناك..".

-" لشد ما أنت مخبول..".

قصد منير رفقة صديقه إذاً إلى إحدى الملاهي الليلية، وقد أبدى مالك الحانة امتعاضاً من رؤية مارتن الذي جلس يقول بعد أن شرب كأساً :

- "أعزائي، رواد هذه الحانة الموقرة، من أعيتهم السبل في المجتمع الكاذب، إن قضية الحقوق موضوع طويل الذيول كثير الشعوب، والحرب الأهلية الأمريكية لم تنتهِ قط باتفاق الكونفدرالية !".

ورفع الرجل كأساً فارعةً يقول  :

- "بحق هذا الشراب ! لقد جئت إليكم بشاب أسمر سيروي لكم تجربته في مدينته، لقد صك صاحبي تعريفاً جديداً، إنه تمييز التوقعات المنخفضة..".

وبدأ نفر من الجلوس ينهضون وكأنما ارتابوا مما سمعوا على نحو حملهم على الرحيل، كان واحد من أصل اثنين من الجلوس هم من أصحاب بشرة سمراء، وكان مالك الحانة قد جاء باثنين من الحراس الأقوياء لغرض طرد مارتن وقد ساءه أن يخسر الرواد الذي يجلبون بدورهم له الدخول بسبب أحاديثه الراطنة، وتقدما (الحارسان) حتى حملا مارتن الذي مكث يصرخ في هيستيرية، واضطر منير إلى نصرة صاحبه فتصارع مع الحارسين، ووقع الاشتباك غير المتكافئ فأكل الرجلان ما أكله الطبل ليلة العيد، حتى خلصهما بعض الرواد السود من أيدي الحارسين، وألقيا بعدئذٍ لدى باب الحانة، هناك جعل منير يعاتب صاحبه المتأوه :

- "بحق السماء،.. ماذا كنت تتوقع أن تجني من وارء ذاك الخبل؟".

وأجابه مارتن :

-"العالم لم يعد يقدر الأصوات الحرة،.. ألا بئس الوجود !".

نهض منير عن صاحبه في غضب وكانت ضربة لدى وجنته قد تورمت حتى تضاءلت عينه بأثر من انتفاخها، ومضى في ظلمة شاملة غضوباً ومتجاهلاً نداءات من ورطه، كانت النداءات ما تلبث تنبعث من الفضاء الخلفي المعتم الذي يأخذ يتصاغر بحركته التي لا يلوي بها على وجهة، وكان كأنما يفر من الألم باقتفاء الوهم، أو أنه يتستر بالظلام من شعوره الأصيل بالاستخذاء والوهن، ومرت به لحظات تراءت له فيها وَمَضات ثقيلات الوطأة متشابهات الإحساسات : يوم دق باب فيلا لوران طفلاً بلا حول فتبنته الأسرة المصطنعة، ويوم سقطت تفيدة على درج الموت وعلى مرأى عينيه، ويوم ودع التمثال الملائكي منتزعاً منه وردته الأخيرة في وداعيته للإسكندرية التي أحبها وغضب منها،.. وإنه كذلك حتى ألفى في عتمته شبحاً يتحرك، وتحرك صوبه ففزع الخيال واضطرب، ووقع الوجه تحت ضوء عمود إنارة فتبين كونه لفتاة في عمر الثالثة عشر، وكانت تحمل حزمة من الكراس فهوت من يدها بتأثير الخَضَّة التي انتابتها من رؤيته، وجعلت تمضي خائفة، وقف منير متسمراً في موضعه مدة حتى لحق به صاحبه مارتن، وجعل ينادي عليه حتى وجده في ضوء عمود الإنارة فقال متنهداً :

- "لقد عثرت عليكَ أخيراً، أخي.. (ثم وهو يقترب منه فيراه على حال الاستغراق..) ما بك؟".

وجعل منير يهتف قائلاً بعد صمت في عربية لم يفهمها صاحبه :

- رأيتها، رأيتها، آمال، فتاة فيلا لوران التي أنقذتها من الغرق..

وهبط الرجل المشدوه حتى أمسك بحزمة الكراس فرفعه عن الأرض، يفر صفحاته، ويتفقد محتواه على هدى الضوء الشحيح، فألفاه غنياً بالدوال والشكول الهندسية واللوغاريتمات.

 

  اضغط على رابط الصفحة الرئيسة لمزيد من الموضوعات : روايات



في العامرية.. 

اضطر رؤوف إلى ترك مقامه المستور في بيت الرجل القبطي الذي استضافه أخيراً والتوجه رفقة صالحة تلقاء الشيخ فوزي عن قصد تحرير أبيه، ودلف إلى البيت الذي بدا محتلاً من قبل جماعة الشيخ حتى فسد نظامه، وساءت صورته، والأخير (الشيخ فوزي) بدا نائماً ومعتمراً لطاقية صوفية على الأريكة الإسفنجية فيما تطول قدماه على سجاد شيرازي، ولاذ الرجل القبطي برؤوف أول وصوله يقول :

- الخير أنك قد حضرت، وقد كتمت سرك ما أمكنني الكتمان، ولتخلصني منهم ومن أذاهم..

وتقدم رؤوف صوب الجالس فتنبه صحبة الشيخ إليه، وتحرك منهم واحد حتى أغلق منفذ الباب فحدس رؤوف باحتجازه، ولم يجد عجباً في الأمر الذي توقعه، ومكثوا يحدقون إلى الزائر (رؤوف) ولكن أحداً منهم لم يجرؤ على إيقاظ الرجل الغافل (الشيخ فوزي)، وابتسم منهم رجل يقول لرؤوف :

- فلتقعد ها هناك (يشير إلى كرسي بلا ظهر عند آخر السجاد الشيرازي غير بعيد من منام الشيخ..) ريثما ينهض شيخنا، إنها قيلولة الظهيرة التي لا تطول كثيراً.

وتنهد رؤوف جالساً، ومستغرقاً في هيئة الرجل ذي القبعة الصوفية والجلباب القصير الذي كان يظهر منه ساقاه الثريتان بالشعر، وإنه منه عَلَى مَرْمَى حَجَرٍ، وانتابه شيء من التأفف مما رأى، فارتفع بناظريه إلى الوجه الذي كان - لاستسلامه لحال النوم - على صورة أفضل من القدمين، كان من عجيب الأمور أن يحمل الشيخ وجهاً كوجه طفل غض صغير وأن يكون له في عين الوقت ذقن عجوز كهل، وتحول عن الشيخ إلى جماعته فألفاهم في تشابه الهندسة الاجتماعية كأنهم نسخ مقولبة، هناك سأله واحد من جماعة الشيخ :

- وأين صاحبتك؟ (أي صالحة..)

وأجابه رؤوف يقول :

- لن أتحدث إلا في يقظة شيخكم.

كان البيت مغلق النوافذ ضيق الحجرات وكان رؤوف على شيء من رهاب الاحتجاز أو رهاب الأماكن المغلقة ((Claustrophobia، وما لبث أن تسرب إليه قلق ظل يجتهد طاقته في ألا يستحيل إلى نوبة ذعر، ومكث يحرك قدمه على السجاد الشيرازي في عصبية مفرطة حتى انفلتت رباطة جأشه في واحدة فركلت ساق الشيخ وأيقظته من منامه، هناك جعل الرجل يقول :

- من هناك؟!

واضطربت جماعة الشيخ لظنها بأن رؤوفاً إنما أراد يؤذيه بحركته، فرفعوا أسلحتهم صوبه، وبدا أن الشيخ قد جاوز غفلة النوم فارتد إلى شيء من الوعي بمحيطه يقول في حسم :

- اخفضوا أسلحتكم..

ووقف ثم شرع يدور حول رؤوف وكان يعي ما بنفسه من القلاقل، وراح يتفحصه عن كثب، ثم توقف بغتة يقول في استخفاف كأنما لم يجد فيه ما تصوره من الفضل والحسن :

- أنت أجمل الوُسَماءُ في هذا العصر الذي هربت معه الفتاة البدوية إذاً؟

وأجابه رؤوف يقول وهو يبتعد من نواة دائرة حركة الشيخ كأنما يتملص مما يمارسه نحوه من ضغط معنوي :

- إن هذا لطف منك مِسْماح،.. ولكن هلا أريتني أبي مراد؟

- ليس قبل أن ترني صالحة..

- لماذا تحرص على نوال من ليست لك؟

- لقد سحرت لها، ما أنت إلا ساحر من الغاوين ! سأقنعها بحماقتها في اتباعك متى تراءت لي.

- لقد أفسدتم نظام بيت الرجل البريء، واحتجزتم من لا وزر له، ثم - وهو الأدهى والأنكى - سُمتم الجميع فتنة الخلاف وسَوْءات التناحر.

هناك احتد الشيخ يقول :

- فلتحفظ لسانك، ولا تنسَ من نكون : إننا فرقة مطهرة لنا أهداف قيمة !

ومكث الاثنان على حال من المجادلة حتى نزل الشيخ لدى طلب زائره، واقتادت جماعة الشيخ مراداً الذي بدا مكتفاً في أحبال غلاظ، من حجرة داخلية إلى مرأى الرجلين وجعل رؤوف يهتف بهم في إِحْنَاء محموم بالعواطف :

- فلتفكوا وصاده..

ولم يستجب منهم واحد لمطلب الشاب الذي كان ماء وجهه يلهب حب شبابه فيزعجه، هناك أعاد فوزي قولته بصوت خفيض ذي لين فاستجابت رفقته له، واحتضن مراد نجله في لهفة حقة، وقبله غير مرة وقد أصابت إحدى القبل عينه فاستوحش الأب فأل السوء الذي يقرن بين قبلة العين وبين الفراق، ولكنه ما لبث (مراد) يبتسم في تأثر عاطفي جزيل الشعور، وسأل فوزي - الذي لم يكن يحفل ملياً بأحوال هذا اللقاء العاطفي - روؤفاً سؤالاً انطلق من غوره الجزوع :

- أين صاحبتك؟

- لا جواب قبل أن يُحرر البرآء أيضاً..

وأمرهم الشيخ، مع تحرجه، بأن يوسعوا المسار لمراد وللعجوزين القبطيين - مالكي البيت - حتى الباب - أمرهم  أن يوسعوا لهم جميعاً بغير مترصد أو مقتفٍ، وتكون - من أثر ذاك - السبيل الوهمي الذي تموضع على جانبيه جماعة الشيخ، حاول مراد أن يلازم نجله في محنته ولكن الابن أصر على أن يترك الأب نطاق البيت الخطر، وعليه مضى مراد كأنه معتمر قبعة الاختفاء وسط الجماعة المتربصة، لا تبلغه على دنوها منه، ولا تضره على قربها من خطاه، ونظر الأب إلى الوراء حين بلغ ردهة مضاءة بمصباح غازي هزيل الضوء فطمأنه رؤوف بنظرة باسمة، يشيع فيها رضاء ووثوق معلق برجاء غالب التحقق والنفاذ، وكان العجوزان قد سبقا مراداً الذي كان كثير التردد - أقول سبقاه إلى منفذ الخروج، فلما اطمأن رؤوف إلى خلاص الجميع - باختفاء ظلالهم عن البيت المنتهب من قبل الجماعة العادية - قال يقصد الشيخ :

- اتبعني أرك من تبتغي رؤياه.

وفتح رؤوف باب الشرفة الموصد، ثم دلف فوقف فيها وتبعه الشيخ متحيراً متهوكاً في أمره، فلما هبط بعينيه (الشيخ) إلى ذاك السبيل الأرضي ألفى مشهداً ذهل له كل الذهول، وخشاه الخشية كلها، كانت جماعة ضخمة العدد، لا يكاد يرى لها آخر، متناسجة متآخية من العرب ومن الصعايدة يقفون ها هناك ملوحين لرؤوف، وامتزج الثوب البدوي المطرز بالجلباب الصعيدي بطول الأفق الثري، وهذه جماعة من الفرقتين تلعب التحطيب بالعصا فتميل الكفة للأقدم عهداً بها (الصعايدة) على الأحدث عهداً بها (العرب)، دون أن تنزع التنافسية شيئاً من ودية الخليط المتجانس المتآلف الجديد، وأما صالحة ففي وسطهم بخمارها الغليظ وقد جعلت تنادي على مراد المحرر- الخارج لتوه من باب العقار - فيقف الرجل ليلوح لنجله مع الملوحين في قرب منها، وحتى هزاع بدا - وهو إلى موضع ابنته أقرب - بساماً قنوعاً، وسأله الشيخ متحفزاً حتى خلع قبعته الصوفية لحرارة استجدت في بدنه كاشفاً عن شعر ناعم مائل إلى الجنب الأيسر، يكاد لنعومته وخفته أن يكشف عن صلع :

- مَن كل هؤلاء؟ أتعبث معي؟

وأجابه رؤوف بعينين يشيع فيهما الرضا وقد بدا أن فوبياه من الأماكن المغلقة قد انتهت بوجوده في الأفق المفتوح، المؤزر فيه - إلى ذاك - بمداد الآدميين، يقول :

- لقد انتهت فتنة صنعتها بالعامرية ! كُشف قناع الفتنة وقُلمت أظفارها، خمدت النائرة، واتصلت السبل، (ووهب جماعة الشيخ بالداخل نظرة ظافرة ثم طفق يقول مترعاً بالمسرة) هل بمقدور هؤلاء أن يقفوا أمام هؤلاء؟ 

 اقرأ أيضاً : 

الفصل الأول:   رأيت الطمع في عينيه

الفصل الثاني:  عسى أن يكون صدري منشرحاً

الفصل الثالث : صورة المُخلِّص

الفصل الرابع : إلى أين المسير؟

الفصل الخامس : الخواطر المستغرقة

الفصل السادس: نظرة أخيرة

 الفصل السابع: أسطورة شجرة النبق 

الفصل التاسع: ألكسندرا في غابة بولونيا

الفصل العاشر: مصرع زهران بسبب مراهنات الكرة !

الفصل الحادي عشر: بكر يتحدى سلطة رجال القرية

الفصل الثاني عشر: حوار في مطعم جيوفاني

الفصل الثالث عشر: سلكت سبيل الحب ! 

الفصل الرابع عشر: حفل عرس في حمام شهريار

الفصل الخامس عشر: خطبة مارتن في سكة حديد بالتيمور

الفصل السادس عشر: لقد صفحتُ عنكِ

الفصل السابع عشر: إفناء العمر في الشقاء

الفصل الثامن عشر: كأنك تحكمين عليَّ بالهلاك

الفصل التاسع عشر : انطفاء شمعة لا يعود لهبها

الفصل العشرون : نفسيتي تتحسن حين أروي قصة




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق