رواية الأميرة المسحورة






في قديم الزمان عاش أمير شاب، وكان هذا الأمير شابا وجميلا، لا يحب شيئا قدر حبه لركوب الخيل والخروج للصيد، ذات يوم وبينما كان الأمير خارجا إلى الصيد ممتطيا حصانه الأبيض ذو العرف الطويل، رأى فتاة جميلة تحمل بيدها حبلا وفأسا، حينها أوقف الأمير حصانه، وظل يتأمل الفتاة بضفائرها الطويلة المستلرسلة وبعد وقت من التأمل، اقترب الأمير من الفتاة وقال لها : 
مرحبا أيتها الصبية الجميلة.
رفعت الفتاة رأسها وقالت : 
أهلا بك أيها الفارس النبيل.
ترجل الأمير الشاب وسأل الفتاة قائلا : 
من أنت؟ وماذا تفعلين هنا أيتها الجميلة؟
أجابته الفتاة : 
اسمي الأمينة، منذ طفولتي وسكان القرية يطلقون علي هذا الاسم، وجئت هنا لأساعد أبي الحطاب في العمل. وهنا تساءلت الفتاة : ألا تراني أجمع الحطب؟
رد الأمير الشاب :
إن يديك الجميلتين يجب أن تلمسا الحرير لا العشب الخشب، ففتاة جميلة مثلك، لا ينبغي لها أن تعمل. 
وهنا شعرت الفتاة بالغضب وردت بعصبية وانفعال واضحين : 
وهل يمكن لي أن أحيا بدون عمل؟ إن العمل أيها الشاب يوفر لي ولأسرتي العيش الكريم ويبعد عن جسدي وعن نفسي الملل، ثم ما نفعنا أيها الشاب إذا كنا لا نعمل.
صمتت الفتاة قليلا وهدأت نفسها ثم قالت : 
 أشعر أنك بلا عمل، فابتعد عن طريقي أنا لا أحب الكسالى والعاطلين. 
شعر الأمير الشاب بالدهشة مما قالته الفتاة، وقال متعجبا : 
ولكن ما حاجتي إلى العمل وأنا أمير ابن أمير، وكل ما أحتاج إليه أجده إلى جانبي، وأبي قادر أن يجلب لي كل شيء أطلبه، ولدي من المال ما يكفيني للعيش الرغيد. 
وهنا ابتسمت الفتاة وقالت : 
إنك مخطئ كل الخطأ أيها الشاب، فالمال يزول غير أن العمل يبقى، فهو الكنز الثمين الذي يظل يدر علينا مالا.
لقد كان الأمير شديد الإعجاب بجمال الفتاة، وزاد إعجابه بها جين تكلمت، وهنا ود أن يصارحها بشعوره فقال لها : 
كلامك جميل كوجهك، ورقيق مثلك، ويعبر عن صدق مشاعرك، وهذه الصفات هي التي تشدني إليك، ولذا فقد اخترتك زوجة، فهل توافقين؟
وهنا سارعت الفتاة إلى القول : 
عجب أيها الأمير أنك تختار زوجة لا تجدك إنسانا صالحا لها، فبرغم غناك مازلت في نظري عاطلا، والعاطل لا يصلح زوجا. 
ما إن سمع الأمير كلام الفتاة حتى ازداد حبه لها، وتعاظم إصراره على أن تكون زوجته، فوعدها بأنه سيتعلم مهنة يبدع فيها وتجعله صالحا لأن يكون زوجا تفخر به وبعمله، حين رجع الأمير الشاب إلى قصره بدأ يفكر جديا باختيار المهنة المناسبة لكي يتعلمها، فوقع اختياره على الحياكة، لقد قرر الأمير الشاب أن يكون حائكا، ولقد أثبت الأمير أنه قادر على أن يعلم الحياكة، وأن يتقن فنونها، ويبدع فيها، فلقد ضحى الأمير بكل شيء من أجل ذلك، امتنع زمنا طويلا عن الخروج إلى الصيد، وعن الخروج في نزهات مع الأصحاب، لقد وجد الأمير الشاب متعة كبيرة في تعلم الحياكة، وكانت متعته تزداد كلما تعلم شيئا جديدا، وشيئا فشيئا أصبح من أفضل الحائكين في البلدة، ولذلك عزم على الذهاب إلى بيت الفتاة الجميلة لكي يخطبها من أبيها، فقد أصبح بعد تعلمه الحياكة الزوج الذي يليق بها. 
وبينما كان الأمير في طريقه إلى بيت الفتاة، وكان هذا البيت قريبا من الغابة، إذ هاجمه اللصوص وسلبوا كل ما حمله من هدايا ونقود، ولأنهم أشرار لم يكتفوا بذلك، بل أراد أحدهم قتله غير أن الأمير بفطنته وذكاءه استطاع أن يقنعههم بالإبقاء على حياته، إذ قال لهم : 
لن تستفيدوا شيئا من قتلي، ولو أبقيتموني حيا لجلبت لكم مزيدا من الثروة.
وهناك تحرك الطمع في أعماقهم، وتساءلوا بصوت واحد : 
كيف؟
أجابهم الأمير قائلا : 
سأصنع لكم كل أسبوع سجادة لا مثيل لها في كل البلاد، وستجنون من بيعها ثروات لا تستطيعون حصرها، وهكذا قرر اللصوص الإبقاء عليه حيا،  والاستفادة منه، وهم الذين لم يتعرفوا على شخصيته بعد، وكان عليهم والحالة هذه أن يقيدوا يديده ويأخذونه معهم إلى مغارة في جبل يقع خارج المدينة يدعى جبل الأحزان، وقد سمي بهذا الاسم لأن كل من ذهب إليه لم يعد ثانية، ومن يومها امتنع الناس عن الذهاب إليه ولذلك فقد أصبح مقرا للصوص والأشرار، وباختفار الأمير عن البلدة حل الحزن فيها، فقد كان إنسانا محبوبا ولذلك شترك الجميع في البحث عنه، من دون جدوى فلم يجدوا له أثرا، وحين وصل الخبر إلى الفتاة الجميلة، شعرت هي الأخرى بالحزن والأسى عليه، غير أنها شعرت بالأمل، وقالت لنفسها : 
لو أن الأمير كان قد تعلم مهنة، لاستفاد منها في أوقاته العصيبة هذه.
ثم أضافت بحزن : 
هذا لو كان حيا. 
 أما الأمير الشاب فلم يشعر أبدا باليأس، بل كان مصمما على النجاة، ولهذا فقد أنجز في الأسبوع الأول سجادة كتب عليها من يرد الغريب، ويرجع البسمة للحبيب، وكان اللصوص الأشرار لا يعرفون القراءة، ولا الكتابة، فحملوا السجادة إلى السوق وباعوها، غير أن الذي اشتراها لم يفهم الكلام، وظن أن الكلمات مجرد زخرف، لم يمر الأسبوع الثاني حتى كان الأمير الشاب قد نسج سجادة أخرى، كتب عليها : 
من يخبر الأمينة، جميلتي الحزينة، أنني هنا، في خارج المدينة. 
وحين رآها اللصوص فرحوا بها، وحملوها إلى السوق، وباعوها بسعر أغلى من السعر الذي بيعت به السجادة الأولى، وكما حدث في المرة الأولى لم يفهم من اشترى هذه السجادة الكلام المكتوب فيها، وحين عاد اللصوص إلى المغارة، أدرك الأمير الشاب ما حزن فازداد بذلك همه حزنا، وكان قد هم كل سكان البلدة للبحث عن الأمير، فتشوا كل البيوت، وكل الأسواق، وداروا في الأزقة والحارات من دون أن يجدوا أي شيء يقربهم إلى المكان الذي أخفي فيه الأمير الشاب، وبعد أن أنهكهم التعب، كفوا عن البحث وقد شعروا باليأس مرة أخرى، غير أن والد الأمير لم يشعر أبدا باليأس بل قال لحاشيته : 
لابد أن يعود اللصوص مرة أخرى، فكونوا بانتظارهم.
في غياب اللصوص كان الأمير الشاب يراقب بلهفة باب المغارة، فقد ينفتح في أية لحظة، ويدخل عليه رجال أبيه وحرسه، بعد أن يكونوا قد فهموا ما كتبه على السجادة، وألقوا القبض على اللصوص، وحين انفتح باب المغارة، شعر الأمير الشاب أن قلبه يطير من الفرح، غير أنه سرعان ما شعر بحزن يثقل عليه، ما إن رأوا اللصوص وحدهم يدخلون عليه، لم تنفع الحيلة إذن هذه المرة أيضا، هكذا قال أمير لنفسه، اقترب  اللصوص من الأمير الشاب الذي لم يستطع الوقوف لشدة حزنه، لذلك رفصه أحدهم وهو يقول له ضحكا :
لقد كنت محقا حين طلبت منا الإبقاء على حياتك، والآن نأمرك بأن تصنع أرقى سجادة بإمكانك أن تصنعها، فسوف نبيعها للأمير العجوز.
فوجئ الأمير بما قاله اللص، وهمس في نفسه : 
إنها الفكرة المناسبة حقا، لقد قضيت على نفسك أيها اللص.
وفي الحال بدأ الأمير الشاب عمله، بعد أن أحضر اللصوص كل ما يحتاج إليه، وما هو إلا أسبوع حتى كان الأمير الشاب قد صنع سجادة كبيرة، كانت حقا كأنها لوحة رسمها رسام كبير، ووضع فيها كل خبرته في الرسم، وكتب الأمير في أسفل السجادة كلاما على هيئة نقوش وزخارف يقول فيه: 
من سالف الأزمان، كانت يد الفنان، تخط في خشونة الجدران موقعا للدفء والأمان، أما أنا يا أيها الإنسان أخط من مغارتي لتعرفوا حكايتي من جبل الأحزان، أشد ما أخافه الليل والنسيان. 
ما أن أتم الأمير الشاب صنع السجادة حتى فرح اللصوص بها فرحا كبير، وأسرعوا بها إلى قصر الأمير، وحين قابلوه وفتحوا أمامه السجادة وقرأ ما هو مكتوب عليها أدرك أن ابنه ما يزال حيا، وكان سجنه في مغارة في جبل الأحزان، ألقي القبض على اللصوص الذي صعقتهم المفاجأة وأرسل الأمير العجوز فرسانه إلى جبل الأحزان ليحرر ابنه السجين، وحين خرج الأمير الشاب من المغارة، ركب حصانه الأبيض ذو العرف الطويل وذهب إلى بيت الفتاة أمينة التي استقبلته بالورود، وقال لها :
 لقد وفيت بوعدي ألا تقبلينني زوجا لك.
فرحت الأميرة بما قاله الأمير الشاب وخاطبته : 
يا أميري العزيز لقد أنقذك العمل، ولم تنقذك ثروة أبيك.
رد عليها قائلا: 
بل أنقذني حبك الذي لولاه ما عرفت قيمة العمل. 
عاد الأمير الشاب إلى قصر أبيه ومعه الأمينة التي تزوجها، وعاشا بقية عمرهما في حب وأمان، وظلت الأجيال، جيلا بعد جيلا، تروي قصتهما.