رواية مفاجأة القدر







 خرج العم أحمد مبكرا كعادته كل صباح ليبحث عن عمل، ومضى في طريقه وهو يفكر في حاله، ماذا يفعل والعيد على الأبواب؟ وأطفاله الثمانية لا يجدون ما يسترهم من ثياب، أو ما يسد جوعهم من طعام، وعم أحمد لا يستطيع أن يفعل شيئا، فمنذ أكثر من شهر وهو يخرج كل يوم للبحث عن عمل، ولكن دون جدوى ! وزوجته نفذ صبرها، وتهدده كل يوم بتركه وترك الأولاد إن لم يجد عملاً، لقد طرق كل الأبواب، وسأل هنا وهناك، ولم يجد من يساعد، أخذ عم أحمد يردد : 

آه من هذا الفقر الذي يلازمني، لو كان الفقر رجلا لقتلته. 

مر العم أحمد على منزل جاره الثري حسان، ورآه جالساً مع أسرته في الحديقة، وحوله الخدم يقدمون الطعام والشراب، والأطفال يتصايحون، ويتسابقون في سعادة ومرح، تأمل أحمد هذا المنظر، واتجه بعينيه إلى السماء داعيا ربه : يا موزع الأرزاق، ارزقني من نعمتك، فالعيد قد اقترب، وأطفال المساكين يريدون ثيابا وطعاما وأنا لا أملك شيئا. أوشكت الشمس على الغروب، وانتهى يوم آخر، ولم يجد أحمد عملا، وبدأ اليأس يدخل قلبه، وتذكر أولاده، فقرر أن يذهب إلى جاره حسان ليقترض منه بعض المال، كان حسان بخيلاً لا يساعد أحدا بالرغم من ثرائه، فقد سبق أن طلب منه عم أحمد المساعدة أكثر من مرة، ولكنه لم يستجب له أبدا، وقرر أحمد أن يحاول مرة أخرى، فاقترب من منزل جاره، وطلب من الخدم لقاء سيدهم، سمع عم أحمد حسان يحاول التهرب منه، ذاكرا للخدم أنه غير موجود، فاستجمع شجاعته ودخل عليه قائلا :

 أرجوك سيدي، إنني في حاجة شديدة لبعض المال، وسأرده حين ميسرة، أرجوك لا تبخل علي، وأعطني مما أعطاك الله.. 

أجابه حسان : لا يخدعنك مظهري، وما أعيش فيه من ترف، فأنا ليس معي ما أعطيه لك، فأنا بالكاد أستطيع أن أسد احتياجات أسرتي.

كان عم أحمد يعرف أن حسان يكذب ولكنه تظاهر بتصديقه ومضى إلى منزله، كان الظلام قد بدأ يعم المكان، فدخل أحمد منزله على أطراف أصابعه، مستخفيا كاللص، يحاول البحث عن إجابة لما تمطره به زوجته من أسئلة، وما قد تصبه عليه من تقريع، كما يحاول أن يجتنب نظرات أطفاله الجياع، قد غلبهم النوم بدون عشاء، فذهب إلى فراشهم فوجد شخصا غريبا نائما بجوارهم، أيقظ العم أحمد الرجل الغريب وسأله :

من أنت؟ وكيف دخلت هنا؟

أجاب الرجل : 

أنا من يلازمك كظلك، أنا الفقر!

أجاب العم أحمد : 

أرجوك ابتعد عني، اتركني وشأني. 

أجابه الرجل :

لا أستطيع ذلك. 

قال العم : 

إّن تعالى معي لنتحدث بعيدا من الأطفال، حتى لا نوقظهم وهم جياع.

خرج عم أحمد في سكون الليل، وخرج الفقر وراءه، وأخذ عم أحمد يحاول إقناع الفقر بالرحيل بعيدا عنه، ولكن دون جدوى، فقرر التخلص منه بأي طريقة، ظل عم أحمد سائرا والفقر خلفه، حتى ابتعد عن العمران، وجلس في حديقة في طرف المدينة، وفجأة خطرت له فكرة، عزم على تنفيذها في الحال، فقال للفقر : 

حسنا أنت لا تريد أن تفارقني، إذني ساعدني في حفر الأرض، وشق قناة صغيرة في هذه الحديقة، حتى يكافئني صاحبها، فقد طلب مني ذلك، ولكن لم أكن أستطيع أن أفعل ذلك وحدي، أرجوك ساعدني ولو مرة واحدة.

وافق الفقر وأخذ الرجلان يعملان بهمة ونشاط حتى حفرا حفرة عميقة، وعندئذ صاح العم أحمد :

 لا أستطيع الاستمرار، يجب أن نحصل على قسط من الراحة وإلا لن نستطيع أن نتم العمل. 

وقال الفقر : 

تعالى يا صديقي كي نستريح قليلا تحت هذه الشجرة.

جلس الرجلان تحت الشجرة، وتظاهر عم أحمد بالنوم، وسرعان ما غلب النوم الفقر، فنام نوما عميقا، وفي الحال حمله العم أحمد ووضعه في الحفرة، وغطاه بالتراب، وما أن دفنه وغطاه حتى راح يبحث عن حجر كبير، ليضعه فوق الحفرة حتى يطمئن أن الفقر لن يستطيع الخروج منها أبدا، وعندما وجد الحجر وهم برفعه، وجد صرة كبيرة تحته ففتحها، لم يتمالك نفسه من الدهشة عندما رأى ما بها، فالصرة ممتلئة بالنقود والحلي، فرح العم أحمد فرحا شديدا، ووضه الحجر فوق الحفرة التي دفن الفقر فيها، وأخذ النقود  والحلي واتجه إلى منزله، في الطريق وجد العم أحمد محلا مفتوحا، فاشترى طعاما لأولاده وزوجته، وفور وصوله إلى المنزل أيقظ الجميع، فجلسوا ويتسامرون في غبطة وسرور، كانت فرحة الجميع كبيرة، وكان عم أحمد سعيدا لسعادتهم، وشبع الأطفال فناموا نوما عميقا هادئا، وجلس العم أحمد يقص على زوجته ما حدث، ويتشاوران في مشروعاتهما المستقبلية، قرر العم أحمد أن يبني منزلا جديدا يتسع لأبنائه الثمانية، وطلبت منه زوجته أن يبدأ مشروعا صغيرا يضع فيه رأس المال الذي يملكه، وذلك بأن يبني حانوتا بجانب المنزل الجديد، يبيع فيه الحلوى للأطفال، وما يجتاج إليه سكان الحي، بعد فترة قصيرة، كان المنزل الجديد مبنيا، وبجواره الحانوت يعمل فيه العم أحمد بجد ونشاط، تعاونه زوجته وأولاده الكبار حين يفرغون من دراستهم، لم يمض الوقت طويلا، حتى راجت تجارة العم أحمد، وكثرت أرباحه، فقد كان تاجرا أمينا صادقا، لا يغالي في السعر، ولا يستغل حاجة الناس، ونعم مع أسرته براحة البال، وهدوء النفس، ورغد العيش، وكان جاره حسان يرقب ما يحدث، فيحترق قلبه من شدة الغيط، ويكاد ينفجر صدره من شدة الحقد، ويقول في نفسه : 

كيف تبدلت حال أحمد وانتقل من الفقر إلى الغنى، ومن الجوع إلى الشبع، ومن الحزن إلى الفرح، لابد أن أذهب إليه وأعرف منه سبب هذا التغيير.

جمع حسان بعض الهدايا، وذهب إلى حانوت العم أحمد متوددا بشوشا على غير عادته، دهش أحمد لذلك، ماذا حدث؟ إنها أول مرة يجد حسان لطيفا، أول مرة في حياته يحمل إليه الهدايا، ولكن سرعان مازلت دهشته حين عرف سر حضوره، أخذ حسان يسأل أحمد ويلح في السؤال، ليعرف من أين له هذا؟ وأحمد يراوغه في الإجابة ويتهرب منه، وفجأة خطرت له الفكرة، تذكر عم أحمد كم كان حسن بشعا، غليظ القلب، مجردا من الشعور، تذكر كل ذلك، وقرر أن ينتقم منه، نظر عم أحمد إلى حسان قائلا: 

لقد قررت عدم إخبار أحد عن مصدر ثرائي، ولكنك جار قديم، وسأطلعك على سر، أرجو أن تحتفظ به لنفسك.

سأله حسان بلهفة : 

ما هو؟ تأكد يا صديقي أني لن أفشي سرك أبدا.

قال عم أحمد : 

في الواقع أنني وجدت كنزا ضخما هو سبب ثروتي.

تعجب حسان : 

كنز، أين؟ ومتى؟ قل يا صديقي قل. 

أجاب عم أحمد : 

هل تعرف الحديقة المنعزلة القائمة في طرف المدينة، في الناحية الشرقية منها حجر كبير، إذا رفعته وجدت هذا الكنز، ولكن لا تخبر أحدا، ولا تأخذ كثيرا منه، خذ فقط ما يكفي حاجتك. 

قال حسان : 

شكرا لك يا صديقي، شكرا يا خير الأصدقاء.

وفي ظلام الليل تسلل حسان من منزله، وذهب إلى الحديق وأخذ يبحث عن الحجر حتى وجده، كان حسان طماعا، لذلك أحضر معه عشرة أكياس كبيرة، وصندوقين ليضع كل ما يستطيع أن تصل إليه يداه، بدأ حسان يزحزح الحجر حتى دفعه، ثم أخذ يرفع التراب، ويتحسس ما تحته، وكل ما شعر بشيء تحت يديه زاد حماسه، وكبر جشعه، وتزايد طمعه، وكم كانت دهشته عندما رأى رجلا ينهض على قدميه ويقف مبتسما، شعر حسان بالرعب يملأ قلبه، وأخذ يصيح : 

من أنت؟ من أنت؟

أجابه الرجل : 

أنا الفقر يا صديقي، لقد كنت مدفونا في هذه الحفرة، ولكنك أخرجتني، فشكرا لك، لن أنسى لك صنيعك أبدا، ولذلك سألازمك منذ هذه اللحظة.

صرخ حسان مرعوبا متوسلا : 

أرجوك، لا، ابتعد عني، أنا لا أريد.

أجابه الفقر : 

فات الأوان يا صديقي !